قد يتساءل البعض ، فيقول : لماذا لم يعمل الإمام الحسين بالتقية ؟ ولماذا لم يعتمد الخيار السلمي في مواجهة بني أمية ؟ فإن البعض يقول : إن الإمام الحُسين قد فرّق صفوف المسلمين بخروجه على خليفة المسلمين في ذلك الوقت!!
الكاتب : سماحة الشيخ علي آل محسن حفظه الله
ويمكن إيضاح هذا الأمر بجوابين اثنين :
1 ـ أن التقية إنما شُرِّعت لحفظ النفوس والأعراض والدماء ، فعندما يدور الأمر بين حفظ هذه الأمور المهمة وحفظ غيرها مما هو دونها أهمية ، فإنه يجب العمل بالتقية حفظاً للنفوس ، والأموال ، والأعراض ، وعلى ذلك كانت سيرة الأئمة الأطهار عليهم السلام ، فقد روى صاحب الوسائل 7 / 95 عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال : دخلتُ على أبي العباس ـ وهو السفاح ـ بالحيرة ، فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم ؟ فقال : ذاك إلى الإمام ، إن صمتَ صمنا ، وإن أفطرتَ أفطرنا . فقال : يا غلام ، عليَّ بالمائدة ، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان ، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه ، أيسرَ عليَّ من أن يضرب عنقي ولا أعبد الله .
ولكن إذا دار الأمر بين حفظ الدين وحفظ النفس كان حفظ الدين أولى ، ولأجل ذلك بذل الأنبياء وأئمة الدين عليهم السلام مهجهم الشريفة حفظاً للدين ورعاية له ، وما أحسن ما قاله الشاعر حكاية لحال الإمام الحسين عليه السلام ، حيث قال :
إن كان دينُ محمدٍ لم يستقمْ إلا بقتلي يا سيوفُ خذيني
2 ـ أن الإمام الحسين عليه السلام لم يخرج محارباً ، أو شاهراً سيفه ، وقد أوضح عليه السلام سبب خروجه إلى كربلاء في أحدى كلماته ، فقال : (ما خرجت أشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدِّي ، أريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدِّي وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين) .
ولذلك بذل الإمام عليه السلام جهداً مضنياً للحيلولة دون وقوع الحرب بينه وبين أتباع بني أمية ، فعرض عليهم أن يتركوه يرجع من حيث أتى ، فأبوا عليه ذلك ، فعرض عليهم أن يذهب إلى ثغور المسلمين ، فرفضوا ، ثم عرض عليهم ـ كما في بعض الروايات ـ أن يتركوه يذهب إلى يزيد . لكنهم رفضوا كل ذلك ، وخيروه بين بيعة يزيد وبين الحرب ، ولذلك قال الإمام الحسين عليه السلام : ألا إن الدَّعِيَّ ابن الدعي ، قد ركز بين اثنتين : بين السَّلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ، ورسوله ، والمؤمنون ، وجحور طابت ، وأرحام طهرت ، ونفوس أبيَّة ، وأنوف حميَّة ، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام .
وحيث إنه لا يجوز للإمام الحسين عليه السلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، كما قال عليه السلام : (إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله) ، لذلك لم يجد الإمام الحسين عليه السلام بدا من الدفاع عن نفسه وعن حريمه