بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الزهد : قال الصادق (ع) : من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه الله من الدنيا سالما إلى دار السلام . ص33
المصدر: السرائر
الزهد وهو الترفع ويقابله من الصفات الرغبة ,وطبعا الزهد الذي نبتغيه ونتكلّم عنه هو الزهد بالدنيا والرغبة إلى الله وليس عكس ذلك . وإن حياتنا كلّها هي زهد وإعراض عن شيئ ورغية في شيئ آخر واما المطلوب فهو الزهد بالكثرات وابتغاء وجه الله خالص ...
المستندات:
بعض القراآت من جواهر البحار
بعض الآيات والكلمات :
عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ [ القلم الآية 32]
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [ الشرح الآية 8]
{ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } (فاطر : 5 )
{ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح } ( الكهف : 45 )
وأما الزاهد الأكبر فهو أمير المؤمنين عليه السلام وقد قال الشريف الرضي في مقدمة نهج البلاغة فيه عليه السلام : أنّ كلامه عليه السلام الوارد في الزهد والمواعظ، والتذكير والزواجر، إذا تأمله المتأمل، وفكر فيه المتفكر، وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره، ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لا حظّ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلى سفح جبل ، لا يسمع إلاّ حسّه، ولا يرى إلاّ نفسه، ولا يكاد يوقن بأن مصْلِتاً سيفه ، فيقُطّ الرقاب ويُجَدِّل الأبطال ويعود به ينْطُفُ دَماً، ويقطر مُهَجاً وهو مع تلك الحال زاهد الزهّاد، وبدَلُ الاَبدال وهذه من فضائله العجيبة، وخصائصه اللطيفة، التي جمع بها بين الأضداد، وألف بين الاَشتات وپ، وكثيراً ما أُذاكر الاِخوان بها، وأستخرج عجبهم منها، وهي موضع للعبرة بها، والفكرة فيها.
قال رسول الله (ص) لعليّ : يا عليّ !.. إنّ الله قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إلى الله منها ، زيّنك بالزهد في الدنيا ، وجعلك لا ترزأ منها شيئاً ولا ترزأ منك شيئاً .. ووهب لك حبّ المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماماً .... الخبر . ص28
المصدر: أمالي الطوسي ص113
الأمثلة : نورد هنا قصة الإمام والمؤمون الذي سأله ولاية العهد ونرى فيها زهد الإمام ,والممّز بزهدهم عليهم السلام أنهم لم يتصوّفوا و يعتزلوا بل كانوا في الناس وبينهم لكن لم يكونوا معهم بل كانوا زاهدين والدنيا حولهم :
قال المأمون للرضا علي بن موسى (ع) : يا بن رسول الله !.. قد عرفتُ فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك ، وأراك أحق بالخلافة مني ، فقال الرضا (ع) : بالعبودية لله عزّ وجلّ أفتخر ، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عزّ وجلّ .. فقال له المأمون : فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة ، وأجعلها لك وأبايعك .. فقال له الرضا (ع) :
إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك ، فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسكه الله وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك ، فقال له المأمون : يا بن رسول الله !.. لا بدّ لك من قبول هذا الأمر .
فقال : لست أفعل ذلك طائعاً أبداً .. فما زال يجهد به أياماً حتى يئس من قبوله ، فقال له : فإن لم تقبل الخلافة ، ولم تحبّ مبايعتي لك ، فكن وليّ عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.. فقال الرضا (ع) :
والله لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول الله (ص) :
أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولاً بالسمّ مظلوماً ، تبكي عليّ ملائكة السماء وملائكة الأرض ، وأُدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد ..
فبكى المأمون ثم قال له : يا بن رسول الله !.. ومَن الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ ؟.. فقال الرضا (ع) : أما إني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلتُ ، فقال المأمون :
يا بن رسول الله !.. إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ، ودفع هذا الأمر عنك ، ليقول الناس : إنك زاهدٌ في الدنيا ، فقال الرضا (ع) :
والله ما كذبت منذ خلقني ربي عزّ وجلّ ، وما زهدت في الدنيا للدنيا ، وإني لأعلم ما تريد ، فقال المأمون : وما أريد ؟.. قال : الأمان على الصدق ؟..
قال : لك الأمان !.. قال : تريد بذلك أن يقول الناس :
إنّ علي بن موسى لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة .. فغضب المأمون ثم قال : إنك تتلقاني أبداً بما أكرهه ، وقد آمنت سطوتي ، فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك .
فقال الرضا (ع) : قد نهاني الله عزّ وجلّ أن أُلقي بيدي إلى التهلكة ، فإن كان الأمر على هذا ، فافعل ما بدا لك ، وأنا أقبل ذلك على أني لا أولّي أحداً ولا أعزل أحداً ، ولا أنقض رسماً ولا سنّةً ، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً ، فرضي منه بذلك ، وجعله ولي عهده كراهةً منه (ع) لذلك . ص130
المصدر: العلل 1/226 ، العيون 2/139 ، أمالي الصدوق ص68
متن الفكرة في الزهد:
كثرا ما نقرا أن حب الدنيا رأس كل خطيئة وأنه لا تستقيم عبادة مع حب الدنيا , وأن الدنيا هيّنة على الله وهي ليست سوى ساعة ,وواجب الإنسان فيها العمل والجد والجهاد والإستكثار من الزاد للآخرة حيث المقر و وإن أي عاقل يفكر بمنطق لا شك يؤمن انه ليس من الحكمة في شيئ الإشتغال في تزيين وتجميل القطار الذي يركبه للوصول إلى بيته وترك بيته فارغ موحش بائس يائس , بل تمام الحكمة هي استغلال الفرص المتاحة للعمل والتعب في الدنيا لكسب الآخرة وحصد الثمار فيها فليس احمقا من قال :من يضحك اخيرا يضحك كثيراً ,ويربح الحرب من يكسب الجولة الأخيرة ....
والله تعالى يبّن لنا في محكم آياته أنه جعل الدنيا للكافرين وأن المؤمنين لهم الآخرة حيث يقول في سورة الزخرف :وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ)33( وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ 34
أي ان الله تعالى وهب الدنيا للكافرين ولولا أن تأخذ الفتنة بذلك المؤمنين لحرمهم من كلّ زخرف في الحياة الدنيا ورزق ذلك للكافرين ولكن رحمة منه بنا وكي لا يكفر جلّنا قسم لنا من الدنيا قسمة .. والآخرة للمتقين
من هذه الآية وغيرها نستشّف أن علينا الزهد في أمور الدنيا والرغبة إلى الله فالله يؤتي الآخرة للذي يريدها :مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [ الشورى الآية 20]
وأما حد الزهد في الدنيا فقد حدّده الإمام الصادق بالآية التالية عندما سئل بآية من القرآن :فقال : فقد حدّ الله في كتابه فقال عزّ وجلّ : { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } إنّ أعلم الناس بالله أخوفهم لله ، وأخوفهم له أعلمهم به ، وأعلمهم به أزهدهم فيها ، فقال له رجل : يا بن رسول الله !.. أوصني ، فقال : اتق الله حيث كنت ، فإنك لا تستوحش . ص27
المصدر: تفسير القمي
وأئمتنا عليهم الصلاة والسلام بطبيعة الحال أزهد الناس وأرغبهم إلى الله , فما قصة كربلاء إلا قصة زهد وطلب لله وترفع عن الدنيا وأبلغ قول قول الإمام الحسين الحبيب : تركت الخلق طراً في هواك وايتمت العيال لكي أراك فلو قطعتني بالحب إربا لما مال الفؤاد إلى سواك ... قال ذلك وأجاب دعوة الله وقال في دعائه في ذلك اليوم : كم من كرب يضعف فيه الفؤاد .... فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حاجة ومنتهى كلّ رغبة فلك الحمد كثيراً ولك المنّ فاضلاً وهنا نرى التسليم الكليّ لله تعالى فهو منتهى كلّ رغبة . فأين نحن من زهد أئمتنا عليهم السلام
بل نرى مثلا بين ترائبنا اولئك الذين زهدوا بالدنيا في حرب تموز قد اقبلوا عليها نراهم اليوم في جنون وغرق في الماديات , يزخرفون حياتهم مترفين حالهم في غرقهم بالكثرات المادية ,لكأّن الدنيا زهدت بهم في الحرب وليسوا هم من زهد بها وها هي عادت إليهم فأقبلوا إليها فرحين!
نسألكم الدعاء